كتبه/ الشيخ سعيد السواح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فيا أيها الحبيب:
هل فكرت يوماً في إيمانك؟ هل تحسسته؟
هل وقفت يوماً على ما يصدر منك من كلمات، وهل أحصيتها ورأيت فيمَ تتكلم؟
هل فكرت يوماً -إن كنت من العقلاء- ووقفت يوماً على العلاقة الدالة على ذلك؟
فاستمع أيها الحبيب... استمع إلى قول ربك لما وصف لنا العلاقة التي يميز بها أولو الألباب، يميز بها أصحاب العقول الرشيدة الواعية.
قال الله -تعالى-: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران: 190-191).
أعلمت أيها الحبيب أن أولي الألباب أصحاب العقول السليمة هم الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض فيهتدون إلى معرفة ربهم -سبحانه- فيذكرونه ويشكرونه؟
هم الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض للحصول على المزيد من الإيمان والإيقان فيدفعهم ذلك إلى أن يلهجوا بذكر ربهم وشكره.
هم الذي يتفكرون في هذه الآيات الباهرات الدالة دلالة واضحة على الصانع وعظيم قدرته، وباهر حكمته، يلازمون ذكر ربهم وشكره.
فهم لا يغفلون ولا يفترون عن ذكر الله، بل هم كما استمعت -أيها الحبيب- يلازمون ذكر الله في الأحوال المعهودة التي لا يخلو عنها الإنسان غالباً، فهم يذكرون ربهم في كل حال من قيام أو قعود أو اضطجاع، وحسبك ما قالوا:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
واعلم أيها الحبيب:
أنه لما حكى الله -تعالى- عن هؤلاء العباد المخلصين أن ألسنتهم مستغرقة بذكر الله -تعالى-، وأبدانهم في طاعة الله -تعالى-، وقلوبهم بالتفكر في دلائل عظمة الله -تعالى-، ذكر أنهم مع هذه الطاعات يطلبون من الله أن يقيهم عذاب النار، فهم تفكروا ثم نزهوا الرب -سبحانه- عن العبث وأن يخلق شيئاً بغير حكمة، ثم طلبوا من ربهم أن يقيهم من عذابه (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
ومن ذلك نتعلم -أيها الحبيب- أدب العبد مع ربه عند دعائه وعند سؤاله، هذا نبينا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يعلِّم الصحابة كيف يكون أدب الدعاء، وأدب سؤال الرب -سبحانه-، فعن فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- قال: ( سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً يَدْعُو فِى صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: عَجِلَ هَذَا. ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّى عَلَى النَّبِيِّّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
واحذر أيها الحبيب:
احذر أن تكون ممن لا ينتفع بآيات ربه -سبحانه- تمر عليه دون أن تستوقفه أو يعمل الفكر ويتفكر في آلاء الله!
( وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ . وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ )(يوسف:105-106).
أيها الحبيب:
إن سبيلك لزيادة إيمانك وزيادة هذا اليقين في قلبك بكثرة التفكر والتأمل في آيات الله -تعالى-، وكثرة تلاوتك لكتاب ربك مع وقوفك على المعاني الدالة على هذه الآيات، فربك يصف المؤمن: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) ( الأنفال:2-4).
وانظر إلى عمل القرآن في قلوب عباد الله المخلصين: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ )(الزمر:23).
فعليك أيها الحبيب أن تزن بين الحين والحين هذا الإيمان الذي تحمله بين جنبيك، وينبغي أن تتعاهده بالرعاية والصيانة، وأن تستمر وتستديم على هذا الإيمان وحسبك من ذلك قول الله -تعالى-: ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(الرعد:28).