فن التعامل مع المريض
قد يستغرب البعض من التطرق إلى هذا الموضوع لعامة القراء، ولكن بالرغم من أن التواصل مع المريض لا يدخل ضمن الثقافة الصحية للمرضى ولكن يعتبر هذا الموضوع قضية مهمة للأطباء بشكل عام وللأكادميين منهم بشكل خاص، حيث أنه في السنوات القليلة السابقة أصبحت طرق التواصل مع المريض Communication skills جزء مهم من التعليم الطبي وعلم يجب أن يدرس في كليات الطب. وقد يتساءل البعض هل صفات التواصل الجيدة يمكن أن يكتسبها الشخص أو طالب الطب في الكلية أو أنها صفات تكون من ضمن شخصية الطالب وفقط دور الكلية أو التعليم الطبي بشكل عام هو أعطاء الطالب الفرصة لممارسة هذه الصفات من خلال اتصاله مع المرضى. في حقيقة الأمر هناك دراسات عديدة تؤكد أن الدورات أو الكورسات التي تدرب الأطباء على أسس التواصل وقواعده تؤدي إلى تخريج أطباء لديهم مقدرة أفضل على التواصل مع المرضى وقد بدأت كلية الطب في جامعة الكويت بقيادة د. جعفر بهبهاني بتدريس هذه الطرق منذ 6 – 7 سنوات تقريبا وبالتالي أود أن أتطرق إلى بعض أساسيات صفات التواصل الجيدة المطلوبة من الأطباء. وهي:
(1) المقدرة على التعرف على أعراض ومشكلة المريض بشكل محدد ودقيق.
(2) تحديد ما يعرفه المريض من معلومات تتعلق بمرضه وكيفية تصحيح بعض المفاهيم بشكل مبسط.
(3) مناقشة خيارات العلاج أو الفحوصات مع المريض وإعطاءهم الفرصة للمشاركة في القرار.
(4) يجب أن يشعر المريض أن الدكتور يحس ويقدر مدى معاناته وأن الدكتور متعاطف مع المريض في مواجهة مشاكله سواء الصحية أو أي مشاكل أخرى.
وسوف أحاول أن أعطي مثال على كل من هذه الصفات:
(1) التشخيص الصحيح يعتمد بشكل كبير على المقدرة على أخذ المعلومات عن التاريخ المرضي من المريض بشكل دقيق، وهذا الشيء يعتمد على طريقة طرق الأسئلة. إن طرق التواصل الجيدة مع المريض تركز بشكل أساسي على كيفية طرح هذه الأسئلة وخصوصا في بداية المقابلة فيجب أن تعطى الفرصة للمريض لطرح مشكلته حسب تسلسلها الزمني وعدم مقاطعة المريض وأن تكون الأسئلة من النوعية ذات النهاية المفتوحة open ended questions بدلاً من الأسئلة ذات النهاية المغلقة close ended questions وكمثال على ذلك من الأفضل سؤال المريض على النحو التالي : ماذا تعاني من؟ أو هل يمكن أن تشرح لي بشكل أكثر ماذا تشعر به ؟ أو هل لديك أعراض أخرى؟ فهذا النوع من الأسئلة يعطي الفرصة للمريض بسرد الأعراض كما يراها هو وهذه الأسئلة في بداية المقابلة أفضل من الأسئلة التي تطرح بهذا الشكل: هل لديك هذا العرض؟ أو ذلك؟ أي أنها تحتمل الجواب بنعم أم لا close ended questions وهذا النوع من الأسئلة و إن كانت مهمة ولكن يجب استخدامها فقط قبل نهاية المقابلة للتأكد من بعض الأعراض المهمة. و يجب التركيز على الحاجة إلى مراجعة بعض الأعراض مع المريض وتلخيصها وذلك للتأكد من أن الإنطباع الذي لدى الدكتور هو الإنطباع الصحيح عن الأعراض التي يشكو منها المريض.
(2) أعطاء المعلومات الصحيحة للمريض وتقبله لها يعتمد بشكل أساسي على معرفة ما هي الأفكار أو المعتقدات التي لدى المريض في بادئ الأمر, فمثلاً الخوف من إستخدام بخاخات الكورتيزون يأتي بشكل أساسي من الاعتقاد الموجود لدى المريض بأن الأعراض الجانبية التي تنتج من إستخدام حبوب الكورتيزون وهي أعراض حقيقية ومؤثرة تنطبق على كل أنواع أدوية الكورتيزون وهذا الأمر غير صحيح وبالتالي فأنه يمكن في غالبية الأحيان توضيح هذا اللبس للمريض بأن بخاخات الكورتيزون أدوية موضعية فقط ولا تؤدي إلى نفس الأعراض الجانبية للحبوب وهذا يؤدي إلى تقبل المريض لهذا النوع من الدواء.
(3) محاولة مُشاركة المريض في قرار الفحوصات أو العلاج وأخذ رأيه بحدود طبعاً له دور كبير في تقبل المريض لهذه الفحوصات أو متابعة العلاج بانتظام فيجب أن يشعر المريض أن له دور فعال في هذه العملية و أعطاءه بعض الخيارات أو شرح الطرق المختلفة للعلاج مهم جداً لكسب ثقة المريض.
(4) النقطة الرابعة من صفات التواصل مع المريض هي برأيي من أهم هذه الصفات وهي تتعلق بكيف يشعر المريض تجاه الدكتور وما هو الانطباع النفسي الذي يتكون لدى المريض نحو الدكتور المعالج وهذا الإنطباع أو الإرتياح يعتمد على نقطتين رئيسيتين وهما:
*هل شعر المريض أن الدكتور أعطاه الاهتمام الكافي الذي يستحقه؟
*والنقطة الأخرى هو شعور المريض أن الدكتور متعاطف معه ويحس بمعاناته.
أما النقطة الأولى فأنها من أهم الطرق التي تُشعر المريض بأن الدكتور مُهتم بحالته وهي ما تُسمى بصفات التواصل الغير كلامية nonverbal communication skills وهذه الصفات تعتمد على عدة نقاط هي:
النظر إلى المريض أثناء المقابلة Eye Contact.
أما الجانب الآخر وهو إظهار حالة التعاطف مع المريض Empathy فهي نقطة مهمة جداً للمريض حيث تعطي لديه الإحساس بأن دكتوره المعالج يحس بمعاناته وعلى استعداد لمساعدته وهذا شعور مهم جداً للمريض من الناحية النفسية أما كيفية إظهار هذا التعاطف فهو يأتي بأشكال مختلفة فمثلاً المريض الذي يجهر بالبكاء بسبب معاناة المرض أو الخوف من مشكلته الصحية قد يحتاج فقط من الدكتور أن يربت على كتفه أو أن يعطيه محارم ورقية لتجفيف دموعه أو إخباره أن البكاء في مثل هذه الحالة ليس عيب ومن حقه أن يبكي للتنفيس عن مشاعره، أو مثلاً إذا كانت معالم الحزن تبدو على المريض فيستطيع أن يقول له : أشوفك ضايق خلقك ليش؟ فهذه الجملة تعطي المريض الشعور بأن الدكتور يحس بمعاناة المريض وعلى استعداد لمساعدته.
في الختام: إذا كان العلم الواسع بأمور الطب والخبرة الكبيرة ومهارة اليدين تأتي في مقدمة صفات الدكتورالجيد فإن صفات التواصل الفعال والجيد هي جزأ لا يتجزأ من شخصية الدكتور الناجح والمطلوب من قبل المرضى.
د.ناصر بهبهاني
استشاري الأمراض الصدرية- الكويت
هز الرأس بشكل بسيط ( كعلامة الإيجاب) أثناء شرح المريض لحالته الصحية وهذا دليل على فهم الدكتور لحالته.
التمتمة بشكل متقطع أثناء الاستماع للمريض وهذا دليل على تركيز الدكتور لشرح المريض وفهمه للمشكلة.
التقليل قدر الإمكان من الأشياء التي تؤثر على تسلسل المقابلة مثل الرد على التلفون أو توقيع بعض الأوراق.
وهذه الأمور الأربعة قد تكون تلقائية أو عفوية عند بعض الناس ولكن هي خصائص مهمة يجب أن يتدرب عليها الأطباء بالذات