بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فإن حمل السلاح بطريقة عشوائية فوضوية يضر أكثر مما ينفع، ويفضي إلى سلسلة من المفاسد، لا يعلم نهايتها إلا الله عز وجل.
فمن ذلك: أنه أقرب طريق إلى اقتحام حرمة الدماء، والتجرؤ على جريمة القتل التي قد عظّم الله أمرها، وبالغ في التحذير منها فقال ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا) والقتل يجرُّ إلى قتلٍ آخر للبريء وغيره، وما يتبع ذلك من إدخال الحزن والمآسي على أهل المقتول، وإدخال الغيظ والغضب وحب الانتقام والثأر في قلوبهم، والكراهية والبغضاء للقبيلة التي منها القاتل وإن كان فيهم صالحون أبرياء، والانتقام ممن وقع تحت أيدي أولياء الدم وإن كان صالحًا تقيًا بريئًا، بزعم أن الطارف غريم، أو إذا لقيت القاتل وإلا فابن عمه .... ونحو ذلك، وبهذا تتسلسل المآسي والأحزان، وتنتقل من بيت إلى آخر، وما يتبع ذلك من قطيعة الرحم، والرجل يقتل خاله أو ابنه ونحو ذلك ناهيك عن انفاق المال في إثارة الفتن، وقطع الطرق، وتخريب المصالح العامة، والتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، .... إلى آخر هذه المعاصي التي يجرُّ بعضها بعضًا.
ولو نظرنا في كثير من هذه العظائم لرأينا أن الحمل العشوائي للسلاح هو السبب الأكبر في ذلك، فالمحافظات التي لايُحمل فيها السلاح بهذه الصورة قد أمِن كثير من أهلها على أنفسهم ودمائهم، وقلّتْ فيها هذه الجرائم، وإذا حصلت مشكلة بينهم ذهبوا إلى المحاكم، وأخذ صاحب الحق حقه، وإذا حصل خلل أو تأخر فلسبب آخر، ونحن نلاحظ حال القبائل هنا من الخوف والفزع، حيث أن الرجل منهم لا يأمن على ولده إذا خرج من عنده، وربما يفاجأ بخبر مفزع عن ولده إما عمدًا أو خطأً، بل كم من رجل يقتل حملة سيارة بما فيها من الأطفال والنساء ليقتل شخصًا معينًا بينهم، أو لأنها سيارة آل فلان وإن لم يكن القاتل فيها، وما شجّعه على ذلك إلا حمل الأسلحة الفتّاكة المبيدة، ومئات الرصاصات، وربما حمل القنابل معه، ولا أدري هذا الرجل المدجّج بالسلاح هل يريد مَنْ يحارب المسلمين بهذا السلاح؟ أم هل يريد أن يُطهِّر بلاد الإسلام ممن استباحوها واعتدوا على الدماء والأعراض والأموال؟ أم هل يريد أن يُفرّج كَربَ مكروب أو يُغيث ملهوفًا، أو ينصر به مظلومًا؟
إن في القبائل كثيرًا من الصفات الحميدة من الكرم والشجاعة، والنجدة والإغاثة، وخدمة الضيف وغير ذلك، لكن هذا الحمل العشوائي للسلاح قد أفسد كثيرًا من المعاني الحميدة، وأقضَّ مضاجع الآمنين، وجعل الزمام منفلتًا، حتى أصبح الكبير لا يردع الصغير، والعامل لا يزجر الخامل، وإذا حصل الشحُّ المطاع، والهوى المتَّبَع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعلى الأمان والاستقرار السلام وبطن الأرض خير من ظهرها.
إن حيازة السلاح في البيت للحاجة الشرعية، والدفاع عن الوطن إذا اعتدى عليه عدو للدين والوطن أمر يحبّه الله عز وجل، ويدعو له الدين، أما اقتناؤه لأخيك المسلم، أو لجارك، أو للقبيلة المجاورة فهذا مما يُرضي الشيطان وحزبه.
وإذا نظرت إلى مصالح حمل السلاح ومفاسده رأيت أن مفاسده أكثر، وهذا بخلاف حيازته واقتناؤه في البيت للحاجة الشرعية النافعة، وإذا كان الشيء ضرره أكثر من نفعه كان الواجب أن يتعاون الجميع على وضع حدٍّ له، فالواجب على المشايخ والعلماء والأعيان والوجهاء بالتعاون مع الجهات المختصة أن يعقدوا ندوات لتدارس هذه الظاهرة وكيف يكون علاجها، ومعرفة الوسائل والحلول التي تخفف من الشر شيئًا فشيئًا، وإذا عجزنا عن علاج كل شيء، فلا بأس بتحقيق علاج بعض الشيء، وما لا يُدْرك كلّه لا يُتْرك جلّه، ومع انتشار التوعية في المساجد، والمدارس، ووسائل الإعلام، والجهات المختصة بالثقافة والشباب وغير ذلك، واقناع أهل الحل والعقد بذلك، كل هذا سيثمر ـ إن شاء الله تعالى ـ ثمرة مباركة، ونحن مأمورون أن نعمل، ونتخذ الوسائل الشرعية، ومنهيون عن اليأس والشعور بالفشل، وأما النتائج فعلى الله عز وجل، وقد جربنا الناس وأنهم بالتوعية الهادفة الحكيمة العاقلة المستمرة الصادرة عن قناعة أهلها كل هذا بعد توفيق الله يؤول إلى خير كثير، واستجابة جادة وواسعة من الناس، ولله الحمد.
فنسأل الله أن يجعلنا جميعًا مفاتيح خير، مغاليق شر، ويهدي الجميع لما فيه حقن الدماء وانتشار الأمن والأمان.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم